رسائل إلى شخص ليس هو. الى برجر سلاين - ارشيف موقع جولاني
موقع جولاني

رسائل إلى شخص ليس هو. الى برجر سلاين

نبال شمس

1
"الكلام بالنسبة لي, هو إحياء الموتى من جديد" هل فعلا, ستحيي الأموات يا صديقي؟؟؟؟؟؟؟ ثمة فراشة صغيرة هشة ترفرف على السطور, توشك على الطيران ولا تستطيع.

2
بحثت عن كتابك بين عشرات الكتب, وكم كانت اللحظات قليلة والزمن قصير لأعيش بين كلماتك وبين سطوره الحزينة. سألت نفسي كالعشرات اللذين سألوا أنفسهم, كيف استطعت أن تخط كتابا وتنثر به ألما شريفا, وأنت طيلة عقود عمرك الثلاث لم تنطق سوى ببضع جمل وبعض صرخات عشوائية؟ كيف استطعت أن تحرر درر الخوف المتراكمة إلى نصوص تفتت الحجارة وتحيي الموتى؟
الفراشة عالقة في الصفحة السابعة عشر, أريد أن أبعدها قليلا, فقد التصقت هناك وتركت غبارها على الكلمات.

3
صديقي المتوحد للأبد, علمت انك تكتب لصديقة أخرى, صديقة من فصيلتك, ألمها يشبه ألمك وتوحدها يشبه توحدك, سكنكم ألانت الضعيف القوي, الحزين والغامض. أنت تكتب لأخرى أنا أكتب لك, لأعبر لك عن مدى دهشتي باعترافك ومعرفتك بنقصك.
"لن يبكيني أحد عندما أموت لأني في ذاكرتهم, سأبقى الأخوث".

4
يؤلمني كلامك وتذبحني نصوصك. نعم يا صديقي إن كنت قد وصلت وقلمك لدرجة الاعتراف, فأنت وصلت لدرجة النبوة, فالاعتراف ليس سهلا فأي اخوث أنت وأية بشرية نحن.!
نحن يا صديقي لا نخطئ.كلنا عظماء. كلنا عقلاء وان أردنا البكاء نبكي سرا, أما الذي مثلك فلن نبكيه أبدا, فقد علمت باعترافنا, ماذا ستبقى أنت بذاكرتنا.
هل ترى الفراشة? ما زالت عالقة على الكلمات, ليتها تتحرك قليلا كي أستطيع أن اشعر نهاية نصوصك.
"لا أريد أن أكون الشخص الذي في داخلي".

5
تكتب عن السجن وعن أنت الحزين المسجون داخلك, تكتب عن صراخك العشوائي عندما تحزن وعندما تفرح وعندما تبكي. هل فعلا أنت تبكي؟ أنا أسألك وأنت تسألني.

6
تريد يا صديقي أن تكتب نص فرح, تريد أن تحرر دموعك العالقة, وتعترف بقدراتك المحدودة, فمن أي صخر مصنوع أنت؟ فحتى قدرتك على البكاء ضعيفة. اشعر بركانك الحارق والعالق الذي سحقك وحدك, ثائرا لا يخرج, تكتب لي عنه مثيرا كل براكين الحزن والألم الذي احتواني والفراشة في هذه الساعات.
سأنتهي بعد قليل من قراءة نصوصك الحزينة التي دمرت حواسي وجعلتني أهذي بالكتابة إليك, لنصوصك الحائرة وقلمك المدمر, فمن أين صغت كلماتك؟ فقد فعلت ما لم تفعله امة بحالها على مر عقود كاملة, فالطوق الذي طوق صدرك وسجنك, طوق عيوني بالدموع وروحي بالأم, طوق أجنحة الفراشة المسكينة.

6
سأمسح دموعي قبل أن تراني الفراشة العالقة كي لا تهزأ مني وتقول إني أتعاطف مع الأخوث.

7
آه... يا صديقي لقد ذكرتني بريتا التي كتبت لها مرة. ذكرتني بعشرات العيون تلاحقني والصراخ المميت في ذلك المكان. ذكرتني بغبائي وعمائي بان ريتا لن تفهمني حتى ولو كتبت لها آلاف الكتب.
ذكرتني بأطفال الحارة, عندما كانوا يلاحقون نورة, ويرمون عليها النفايات, وينعتوها بـ " نورة ال....". ذكرتني بقسوتي عندما كنت أشاركهم تلك الجريمة, فكم كنا نفرح لصراخها وقفزاتها. هل كانت نورة تتألم؟ هل كانت تفكر؟ ما أقسانا وما أقسى الزمان عليكم.
نورة سجنها أهلها بالبيت بعد تطور جسدها خوفا عليها من قسوتنا وقسوة المجتمع.
نورة, ريتا. أنت وهم, صراخكم وسجنكم,,, لن أقترب منكم ثانية, فقد عرفت قدر نفسي وقدر معرفتي بمعاناتكم.

8
بدأت الفراشة تتحرك تريد الطيران من مكانها, فقد بدأت ترفرف, فربما حركها ألمك. سأقرأ الآن نهاية الكتاب وأتخيل حياتك الآتية.
يا لك من رائع وجميل. تشكرني لأني تحملت نصوصك, لكن لماذا تنعت نفسك بأنك لاشيء, هل تشك بقدراتي على فهمك؟.
السطر الأخير لا يظهر لي فقد نثرت الفراشة غبارها علية. لا أراه يا صديقي فثمة بداية أخرى للقائنا.